01 September, 2010

البلد بلدك



يغيظني جداً لما ييجي واحد يقوللي طيب إنت عايش عيشة كويسة, بتشتغل شغلانة كويسة وبتاخد مرتب أحسن من ناس كثير غيرك. بتاكل كويس وبتخرج وبتتفسح وبتصرف, عندك عربيتك وشقتك ومتجوز ومبسوط, زعلان ليه بقى من الحكومة؟

أولاً, لا أعتقد إطلاقاً إن الحكومة كان لها أي علاقة بنجاحي شخصياً -باعتبار إني عشت أساساً وتعلمت بالخارج والحمدلله- ولا أي من الأشخاص الذين أعرفهم من نفس الطبقة الإجتماعية أو الذين حالفهم الحظ بمستوى من الدخل أكبر من عموم الشعب المصري. الناس دي كويسة علشان طلع عينها علشان تبقى كويسة ولسة بيطلع عينها لحد دلوقتي علشان تفضل كويسة وتفضل أحسن من الناس الكثير اللي ما اتوفقتش أو لم تتح لها فرصة تحقيق طموحاتها. أنا أعترف تماماً إني من القلة المحظوظة الحمدلله التي استطاعت أن تصل لشئ في مصر يخفف وطأة الوضع العام المتدهور. لكن هل يعني هذا أن الحكومة كان لها الفضل في وصولنا إلى ما نحن به الآن؟ لا أعتقد إطلاقاً, نحن أقلية لا يصح القياس عليها نجاح الحكومة من عدمه في تحقيق حياة إنسانية للمصريين. أقلية تعلمت بالخارج أو في جامعات أو معاهد خاصة توفر مستوى من التعليم لاتوفره أي من المعاهد أو الجامعات الحكومية. أو أشخاص كانوا على قدر من التميز والكفاح كفل لهم النجاح وتخطي عقبة ضعف النظام التعليمي.

ثانياً, حتى مع تسليمي بارتفاع مستوى معيشتي مقارنة بمعظم الشعب المصري الذي يعيش معظمه تحت خط الفقر -أقل من دولار واحد يومياً أي حوالي 150 جنيه في الشهر- فهل يعني هذا فعلاً رضاي عن الواقع المصري؟ ما معنى امتلاكي لشقة تنقطع عنها الكهرباء لساعات يومياً معرضة للإنهيار عند أقرب زلزال نتيجة غش مواد البناء؟ ما معنى امتلاكي لسيارة في ظل تهالك معظم شبكة المواصلات في البلاد لدرجة أصبحت معها قيادة السيارة مغامرة غير مضمونة العواقب؟ ماذا سيحدث إذا -لا قدر الله- وقعت لي حادثة مرورية هل سيضمن لي القانون حقي أو حق الأطراف الأخرى في هذا الحادث؟ هل ستضمن لي الحكومة وصول سيارات النجدة والإسعاف في الوقت المناسب لإنقاذ أي من المصابين؟ مامعنى عدم توفر وسائل مواصلات آدمية تتيح لي أو لأولادي التنقل بأمان أو تعليم محترم يساهم في جعلهم أعضاء فاعلين في المجتمع؟ هل سيغنيني راتبي مهما بلغ -دون احتلالي لمنصب وزاري أو ماشابه- عن معاناة يومية تسببت فيها الحكومة بسوء تخطيطها أو بقراراتها الطائشة؟ هل سيغنيني هذا عندما يستوقفني ضابط أو أمين شرطة لأي سبب في ظل قانون الطوارئ وسلطته التي يمكن أن تنتهي بي مخنوقاً بكيس بانجو أو معذباً في سراديب الداخلية؟ هل سيغنيني أي شئ عن ضعف المجتمع حولي لدرجة تركي أضرب حتى الموت أمام الجميع؟

إن النظر إلى أن ارتفاع الوضع المعيشي لقلة محظوظة من الشعب لايعني انعدام حقها في الإعتراض على الأوضاع الخاطئة وانكسار عينها في وجه الحكومة منظور لايسعني فهمه بل أرى أن هذه القلة هي أقدر الناس على الإعتراض على الخطأ سواءاً لكون مستواهم يساعدهم على التطلع إلى حياة أفضل أو كون مستواهم التعليمي والإجتماعي يساهم في رؤيتهم لتردي الأوضاع بطريقة تختلف عن بقية الشعب المطحون الذي يقضي يومه باحثاً عن الكفاف ولاوقت لديه للإعتراض وإلا مات من الجوع.

من هنا كانت سعادتي بوقفة شباب الجامعة الأمريكية الإحتجاجية على تطبيق قانون الطوارئ كون هذا الشباب -المنعزل عن الحياة التي يعيشها معظم الشعب المصري في وجهة نظر الكثيرين- أثبت خطأ وجهة النظر هذه وكونه شباب يتمتع بقدر من المسئولية يمكنه من فهم انعكاس مثل هذه القوانين على حياته في مصر مهما كان وضعه الإجتماعي كونه في وقت من الأوقات مضطراً للتعامل مع مايتعامل معه عامة الشعب. أسعدتني كثيراً شجاعة الفتاة التي رفضت وجهة نظر أهلها السلبية ورأت أن هذه هي البلد التي سوف تتزوج فيها وتنجب أولادها فيها وكون سلبيتها في وجه الأوضاع الخاطئة ستؤثر لامحالة عليها وعلى عائلتها في وقت من الأوقات.

تجدد هذه المواقف الشجاعة من شباب بلدنا الأمل بداخلي كلما خبت شمعته. الأمل في إمكانية تحسن وتغيير واقعنا الحزين إلى مستقبل واعد.




To comment on this post please follow this link.